كُن دراميًا لا بأس.. فالحياة صعبة!

     
     

     

     لا نستطيع في معظم الأحايين أن نكون دراميين ومبالغين ومحبين للهرطقة بالطريقة الكافية. نخاف من أن نكون محطَّ سخرية الآخرين أو أن يتم تسميتنا: يالمرضى النفسيين! يبدو أننا في نهاية اليوم لا نجد شخصًا يفهم قلقنا الذي نعرب عنه بصورة كفاية, لأن هذا -الأمر- لا يبدو مثيرًا للقلق لأي أحدٍ غيرنا, فنبدو إثر ذلك دراميّين. عندما نتأكد عن عجز أقرب الكائنات لنا عن فهمنا بصورتنا المعطوبة يبدأ "قلق شديدٌ للغاية ينمو داخلنا, قلقٌ لم تعد تتسع له معدتنا ولا حياتنا ولا الدرج ولا حتى أسفل السرير (فهناك يختبئ المسوخ) ولا أي مكان." (ص.101, أفونسو كروش)

كُن دراميًا, لا بأس بذلك!

    

خوفنا من أن نُهجر من قِبَل من نحب
      يخبرنا الجميع بالتوقف عن القلق ويطمئنوننا بان كل شيء سيكون بخيرٍ في النهاية, ماذا لو لم تصبح كل الأشياء في نهاية المطاف بخير؟ لماذا لا يجب علينا القلق؟ علينا ان نقلق من أن قلبنا الصغير قد يُجرح في أي لحظة ممّن نحب, مع ضرورة التنويه أن قلبنا الصغير قد جُرح قبلًا عندما لم يفهم أحد سبب قلقنا الدائم!- من أن يتم هجرنا في اسوأ لحظاتنا. علينا أن نقلق من أن يتم نفينا بسبب معتوه يجلس على كرسي السلطة وبضغطة زرٍ واحدة سيحيلنا إلى العدم. علينا أن نقلق بسبب درجاتنا المتدنيّة التي سيحكم العالم بها علينا, على شعراتنا الصغيرة المتطايرة التي تجعلنا نبدو كالحمقى. أن نقلق من أن نتأخر عن اجتماعٍ مهم أو أن نعلق للأبد في علاقة فاشلة. علينا أن نقلق وباستمرار من أننا لن نستطيع مساعدة من نحب ونمنع عنهم الأذى, كما أننا لا نستطيع إنقاذ الحيوانات المعذبة في الأرض, من الإحتباس الحراري ومن استهلاكنا الشديد للبلاستيك. علينا ان نقلق من أننا قد لا نكون أمهاتٍ جيدات كفاية, أو أباء متفهمين كفاية. علينا أن نقلق من ألم ضرسنا وإلتهاب أعيننا ومن الجرح الذي يسببه الحذاء في أصبع رجلنا الصغير. علينا أن نقلق حقًا من أن يتم اختطافنا أو ينتهي بنا الحال بلا وظيفة محترمة. علينا أن نقلق من أنه لا مفرّ للهرب من هذا كله أيضًا! وأن حياتنا في أفضل احوالها لن تكون سوى هربًا مستمرًا من قلقٍ إلى قلقٍ آخر ومن محطة درامية إلى أخرى في حياتنا.

     كُن دراميًا وقلقًا واحمقًا ومعتوه لو تطلب الأمر فالحياة صعبة وقذرة, إنها الحقيقة التي يخفيها الجميع عننا. نرتدي رداء الطمأنينة بينما كل مافينا يعجّ بالمخاوف التي تنخر جسدنا. لا بأس لو أصبح نصيبك الصحي من القلق آلام في المعدة وانخفاض في المناعة فالحياة لا تُحتَمل. لأننا "أحيانًا نهرب من دب فيظهر لنا نازيّ. وأحيانًا نهرب من أسد فيتبين لنا أن أعضاؤنا مسكونة بميكروبات مدمّرة. نهرب من الذي فالخارج لنلاقي العدوّ داخل أجسادنا. أحيانًا ننجو من محرقة لنُصاب بميكروب جرثومة بيتا الانحلاليّ من الفئة آ" (ص.110, أفونسو كروش) 

    ماذا نفعل ونحن نرزح تحت ظل كبير من القلق والدراما المسرحية التي نعجز عن تبريرها للعالم؟ "نحن عاجزون عن تغيير نظام الأشياء... لا بد لأرواحنا أن تكيَّف نفسها, وعليها الامتثال [لما لا يمكن تغييره]... ما تعجز عن إصلاحه, من الأفضل تحمّله." (ص.136, آلان دو بوتون) علينا أن نوجِّه قلقنا نحو كل الأشياء التي تحدد مصيرنا والتي لا يمكننا تغييرها, التعدادات بالأعلى تشمل هذا الكلام أيضًا, ومهما يكن نصيبنا من الطمأنينة اليومية التي نحصل عليها من أشياؤنا التي نحب أو ممن نحب, علينا أن نعي أنه لا مجال لتغيير الأشياء وان أي شيء سيء يحدث للعالم من الممكن أن يحدث لنا. إن الأشخاص الذين يطمئنوننا دومًا يقولون أشياء من قبيل: لا يمكن أن يحصل لك هذا! بينما من الأفضل أن يتم إخبارنا أننا لسنا استثناء عن القاعدة الكونية الكبرى وهي: أننا لسنا بمأمن حتى من أنفسنا. وأنه في أقصى الحالات سوف نتخطى أيًا يكن, لكن سيأتينا دومًا ما هو أسوأ منه لأننا لا نستطيع الهرب من هذه المعمعة كلها, لأنه "لم يهرب أحد قط من دفع جزاء أنه قد وُلِد." سينيكا.


المصادر:
أفونسو كروس, رواية: الرسام تحت المجلى. ترجمة مها عطفة.  دار مسكيلياني للنشر والتوزيع
أفونسو كروش, رواية: دمية كوكوشكا. ترجمة مها عطفة.  دار ميسكلياني للنشر والتوزيع
آلان دو بوتون, كتاب: عزاءات الفلسفة. ترجمة يزن الحاج. دار التنوير للنشر والتوزيع. 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة