الفكرة التي فكرتي بها وأنت تلعقين شفتيك


الخامس من مايو, على وشك ان نصبح السادس منه.

كنت قلقة! قد حلّ منتصف الليل تقريبًا وهذه الفكرة لم تبارح عقلي.
كنت آمل أن يأتي الليل مسرعًا يحذو حذوه نحوي فيلفّني بالنوم العميق فاستيقظ على أثر هذا النوم وأنا مخدّرة وفاقدة الذاكرة عن أفكار الأمس.
لكنني لم أنم لذا وجدتني أزأر بهجةً وخوفًا لفرط وحدتي. أخذت أطرق الأبواب والنوافذ بأظافري, أضرب الأرض بحذائي و أغني بصوت مرتفع ومزعج غير آبهةٍ بالجيران الذين يقطنون بجانبي, رحت أفتّش في أدراجي عن الخرز الرخيص في الحلي التي ألبسها لكي ألقيها على الأرض إذ أنني أريد أن أسمع صخب جسدها المستدير وهو يتدحرج فوق الأرضية الخشبية, فتحت دواليب المطبخ وأخرجت ملعقتين وصحنين حديديين, كانت صحوني كلها حديدية, فقد كانت أرخص ثمنًا وتشبه صحاف السجناء وأنا أصدق أنني سجينة بقيود طويلة, امسكت الملاعق والصحاف ونقرت رؤوسهم ببعضها محدثة جلبة تصمّ الآذان. فعلت كل ما يمكن للبشري الضعيف القذر أن يفعله اتجاه أفكاره المجنونة ورحت أجري في نهاية المطاف كالمعتوهة بين أطراف شقتي الصغيرة وأنا اهتف قائلة لصورتي في المرآة, إذ أن صورتي كانت طيبة جدًا معي إلى الحد الذي لم يجعلها تتركني وحيدة تمامًا أبدًا, هتفت لنفسي مبتسمة:
الفكر لن تتزحزح من عقلك مقدار أنملة.. أنت وحيدة الآن, لا تسخري من نفسك, الجلبة لن تُسكت دماغك. الفكرة ستلحّ عليك مطوّلًا..
قلقة. لأنني حتى إن حاولت إبعادها فهي لن تبتعد كثيرًا, لقد وُجِدت هناك, في زاوية صغيرة وقذرة من عقلي المتعفن, كانت هناك فكرتي متقوقعة على نفسها من الخجل ولكن بالرغم من خجلها الصريح فقد كان نورها يذوي ويدمّر ما تبقى مني.
لو كنت مشغولة أكثر, لو كنت واقعة في الحب أكثر, لو كنت أتكلم أكثر, لو كنت أرى أكثر, لو كنت أنجز أكثر حتى اتخلص من هذه الفكرة, لكن شيئًا لم يكن مقدّرًا لي على الأطلاق, وتيقنت أنه ليس مهمًا ما يحصل لي أو أحصل عليه بعد هذه الفكرة لأنني تبصّرت في روحي في ليلة صيفية مقمرة بأنني لن أفلت أبدًا من قبضة هذا السجن إلا بفكرة مرعبة واحدة.. لم أجرؤ حتى على نطقها بصوت عالٍ لنفسي, ماذا أصنع؟ إنني كائن يشعر بالخجل والحياء حتى في وجوده مع نفسه. إنني كائن لا ينتمي إلى أفكاره.

إنها فكرة مرعبة, ولأنك وحيدة فإنها تطفو على السطح بشكل صارخ.
 إنها فكرة قبيحة,
فكرة قاتلة,
مثل تلك الفكرة التي فكرتي بها وأنت تقبلين شخصًا ما للمرة الأولى.
مثل تلك الفكرة التي فكرتي بها وأنت تعدّين قهوتك الصباحية
مثل تلك الفكرة التي فكرتي بها وأنت تغسلين شعرك
وأنت تسندين ذراعك, أو تضعين قدمًا فوق الاخرى
وأنت تلعقين شفتيك, وأنت تنظرين إلى ساعتك.
وأنت تجلسين على مقعدك, وأنت تطقطقين أصابعك.
وأنت تحلقين شعر ساقك, وأنت تتأملين الأطفال يلعبون من النافذة.
مثل تلك الفكرة التي فكرتي بها وأنت تتلين صلواتك
مثل تلك الفكرة التي تغزوك في اليقظة وفي الحلم

مثل تلك الفكرة التي لن تبوحي بها و التي تستبيح عقلك في كلّ الأوقات.

تعليقات

المشاركات الشائعة