الطريقُ الذي يقودنا إلى عذابٍ آخر



كان الطريق طويلًا, وكلّما مشيت فيه ازداد طولًا.
كان الطريق كئيبًا,
وكلّما مشيت فيه ازداد كآبةً.
كان الطريق طويلًا, لم يخفّف عني وقعه سوى أوراقي.
أمشي ويداي فارغتان, وبرغم طول الطريق وكثرة أحجاره هي لا تمتلىء, هي لا تعبّئ داخل حجرها الناعم حصاةً واحدة لكي تقذف بها وجه العالم في منتصف سفرها وتقول: اللعنة! أبصق عليك أيها العالم, أبصق على شرفك وعارك وأيامك وساعاتك كلّها!
يداي فارغتان, معطّلتان. لا تحملان بين أصابعها الدامية ورقة شجر متيبّسة.
طريقي طويل, أمشيه بأرجلٍ ثقيلة, يخيّل لنفسي مرات عديدة أنها مصنوعة من رخامٍ ثقيل. هي لا تساعدني على المضي سريعًا في هذا الطريق الأبدي أو على التحليق عاليًا من فوق السرير.مشيت وحيدة والدانتيلا الرخيصة مربوطة حول عنقي كقيدٍ لطيف. أبدو كحيوان شرس محبوس داخل قفصه في الحديقة الكبيرة. الحديقة الكبيرة التي لا يعلم لماذا استطاع الآخرون رؤية جمالها إلّاه, الحيوان الشرس الذي انزوى وراء الشجرة نهاية اليوم متخليًا عن كبريائه متسائلًا: لماذا تجاوزه العابرون سريعًا؟
مشيت خائفة, وحفيف الأشجار يخترق أذناي ويصمّهما.
مشاعري مضطربة, تحترق واسمع حسيسها بهدوء ولا مبالاة مُفرطة ومغالى فيها.
هذا الطريق طويل, أمشي فيه على رجلاي وكلّما ضربني التعب في منتصف قلبي, أكمل الطريق بقوائمي الأربعة كلها بلا مواراة أو خجل.
الطريق طويل وأشعر فيه أني أقطعه وحيدة وكلّما سلخت الوحدة مشاعري أكمل الطريقَ ممسكةً يداي حتى تتعرق راحتهما.
 الطريق طويل يا حبيبي, أشعر فيه أني مسجونة داخل زنزانة ضيقة تسمى -الجسد-  وكلّما تجلّى إحساسي بالعزل والحبس أكثر, أنظر إلى قدمايَ فأراها تتحرك بحرية إلى الأمام المجهول لأنني كلما حسبت أنني فقدت القدرة على مواصلة هذا العذاب الفسيحُ العذب  أنظر إليها فأراها تأخدني أبعد...
وأبعد.
وأبعد مما يستطيع أي أحدٍ على وجه العموم أن يتصوّر!

تعليقات

المشاركات الشائعة