الجوع إلى صورتك.


تدور الأصابع في حلقة لامنتهية على فم كوب قهوة الصباح الخاصة بها. بينما تستند برأسها وجسدها على الجدار الفارغ بجانبها وكل ما بداخلها هو مستوعب قمامة كبير.
تمشطين المكان بعينيك نصف النائمة وترينه هنا امامك, تحسبينه صورةً داخل إطار. تينك العينان السحريتان الصغيرتان اللوزية الشكل, هذا الفم المنبسط براحة تامة على سطح الوجه والندبة في حاجبه اليمين الظاهرة كشمس الربيع والشعر المسرّح إلى الخلف المليء بالجلّ. نفس الصورة, نفس الصمت الذي يقابلك به منذ واحدٍ وعشرون عامًا. صمت صورته الذي تدارينه باستمرار بينما تمررين على فم كوب قهوتك وبخفةٍ أصابعك النحيلة التي لاتستر ما تحتها . وبينما الطيور تشدو, وبينما الأزهار تتفتّح باستمرار وهي لا تحفل بأمرك, الليل والنهار يتعاقبان بينما هو.. بشعره المبلل المسرّح إلى الخلف يتظاهر بأنه ينظر إليك.. وأنت بالطبع كعادتك تجلسين أمامه بحمّالة صدرية قديمة وقميص شفاف يظهر جوعها المستمر, تحاولين أن تكوني ثورية ومناضلة على صمته الذي يقلقك. تتحسين في الليل الطريق إلى قلبه, قلبه الذي لم يرشدك يومًا إليه بسبب صمته الطويل غير المنقطع, كسبتي الطريق الصحيح إلى قلبه بعرق عواطفك.
تحلمين أنك تمسكين معولًا وتدمّري صورته الصامتة. تحلمين أنك من شدّة التوق والجوع إلى صخبه تنقضين عليه فجأة وترمين بكوب قهوتك عرض الحائط الفارغ الذي يشبهك, تنقضين عليه مثل حيوان هائج وبكل العاطفة الحيوانية التي تملكينها اتجاه صورته تحشرين أصابعك داخل تجويف فمه وتتحسسينه من الداخل لتري ما إن كانت الحبال الصوتية في أماكنها الآدمية المعتادة, لماذا هو معطل إلى هذا الحد عن إجابتك؟ تحلمين بكلمات محببة مثل يا عزيزتي, يا حمامتي الصغيرة فتلفظين إحداها بينما حلمك لا يزال في مكانه وأصبعك يتوقف في منتصف دورته ويضغط بشدة على حافّة الكوب وأنت بكل جهد تحاولين مواراة سوءات مشاعرك. تحلمين بأحبك, فيتردد صداها من الصورة التي أمامك..
صورتك أمام المرآة بحمّالة صدرية قديمة وكوب قهوة وأصابع نحلية وشعر قصير مسرّح إلى الخلف و ندبة في الحاجب الأيمن. وتدركين كل صباح بأنك لا تشعرين بالجوع إلا إلى صورتك التي تنسينها وتنساكِ. 

تعليقات

المشاركات الشائعة