مسدس بيريتا وأسباغيتي (قصة قصيرة جدًأ)


تجلس في السيارة المتّجهة للعدم بسيقان متخشّبة و روح ضائعة, تضع يدها على المقود وهي تتسائل منذ متى بدأت تهمل أظافرها إلى هذا الحد؟ نشلت الحياة أطراف جلدتها الرقيقة الملتفة حول أصابعها التي تشبه أصابع فلّاحة مرسومة في لوحة تعود للقرن التاسع عشر وهي لم تلحظ قبحهم المتزايد إلا نادرًا.
وكما جرت العادة, تعود إلى المنزل لكي تحضّر طبقًا كبيرًا من الإسباغيتي يكفي عشيرة كاملة, ثم تضع منها قليلًا في طبقها المصنوع من الفخّار وهي تتأمل الكمية الباقية الملتصقة في القدر وهي تفكر بمسدس بيريتا إيطالي الصنع وهي لا تعلم على وجه اليقين ما إن كانت الأسباغيتي تذكّرها بمسدس بيريتا, أم أن المسدس يذكّرها بأكل الأسباغيتي باستمرار. تشعر الشخصية بتوترٍ أكبر فتشيخوف يقول: عندما يظهر المسدس في القصة لابدّ من استعماله, هل هي مستعدة؟ تسأل. وكما جرت العادة, تجلس بعجيزتها النحيلة وتهوي في مقعد من الخشب يشبهها وتشبهه وهي تأكل وتتذكر بأن هذا هو الوجود! هذا هو كله من بدايته حتى نهايته.. هذا ما احالوها إليه وهي لا تملك رخصة لحمل السلاح,  ولا تستطيع التوقف عن أكل الإسباغيتي.
حواراتها كثيرة ومنسية. تم ركلها مرارًا وتكرارًا من شدّة خجلها بأنها تنتمي إليها حتى أضحت كل ماتملكه عنها هي صورة لها ولوالدها في مطعم رخيص للوجبات السريعة وبينما راحة يدها تستريح بتعاسة فوق الطاولة المتشحّمة والقذرة 
- متى كانت أول مرة أحسست فيها بأنك وحيد جدًا لدرجة أنك إذا ما أمسكت مسدسًا وصوّبت فوّهته إلى قلبك أو رأسك فلن يعلم أحد بأمر موتك شيئًا؟
- أحسست أول مرة بالوحدة الشديدة عندما كنت في السابعة عشربعدما تركني الحب أعوي مثل ذئب حزين لِليلة كاملة وكنت أتمنى بشدة لو أستطيع أن أسحب مسدس بيريتا من درج أبي سرًا حتى أنهي هذا كله. لكن أبي لم يكن موجودًا ولا المسدس أيضًا.
تُغسَل الصورة من عقلها, كل حياتها التي لم تحدث تترك بها شرخًا وعيبًا واضح على بنيتها وهي لاتستطيع بدورها أن تترك فيهم أثرًا واحدًا, لا أثر للمسدس أوالأب أوالطاولة القذرة والرائحة المكتظة أوالأسباغيتي والوحدة وكل مايبقى أثره هو ساقها المتخشّبة وهي تقود بها نحو العدم في سيارة متهالكة. 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة