قميصٌ منقط وفخذٌ دامٍ لم يلحظهما أحد.

مذكّرة الحادي عشرة من شهرٍ لا أذكره تمامًا..


     أفكر كل يوم فيما لو كنت نسخة مكررة وكل عذاباتي هذه لا تساوي نصف قرشٍ صدئ حتى. أفكر ماذا لو أن روحي قد مرّت على أجساد فتيات مختلفات من قبلي. أفكر بأنني حبيسة أفكاري ولا يوجد لديّ أي طريقٍ أخرج منه. أفكر أكثر, أنا لست فقط حبيسة أفكاري إن هذا الإنحباس بسيط و متواضع.. كلّا. إنني حبيسة في جسدي. يخيّل إلي مراتٍ عديدة أنني كائن آخر لا يمتُّ بأي صلة لهذا الجسد, وأراني من مشهد بانوراميٍّ بعيد وكأن كينونتي شخصٌ آخر, هذه الكينونة التي تمثّل كائنًا آخر, تصرخ بلا انقطاع. صرخة حادّة ومدوية لدرجة أن لا أحد قادر على سماعها. ثم تبتعد الصورة فيتّضح أن هذا الكائن الذي يطلب النجدة ليس إلا أنا, وهذه الكينونة الصغيرة التي تمثلني داخل هذا الجسد الكبير الذي يمثلني بدوره أيضًا, هو أيضًا انا!!
      كنت أقف أمام المرآة عندما اتّضحت لي هذه الصورة للمرة الأولى, عندما استطعت ترتيب هذه الفكرة في جملٍ وكلمات لكي أدوّنها على الورق في نهاية اليوم, ثم فجأة وبدون مقدّمات خلعت قميصي المنقّط وأخذت ادور في الغرفة بحمالتي الصدرية بينما أضع أصابع يدي ,التي تبدو كأصابع يد فلّاحةٍ فقيرة, داخل شعري وأشدّه أكثر وكأنني لا أستحقه حاولت أن أخلعه من على جلدة رأسي, لا أستحقه, لا أستحقه. رحت أردد كالمعتوهة. جلست على الأرض وأنا متعبة و رأيت أنعكاسي مرةً اخرى على شاشة جهازي الموضوع على الأرض فأصابني التقّزز.
لا أشك كثيرًا في أنني إذا ما رأيت جسدي يومًا ما ملقى على الأرض وهناك رهط من الناس حوله يؤذونه ويكيلون إليه أبشع أنواع الشتائم ويرمونه بصنوف العذابات المختلفة, فسأنضم إليهم بلا تردد وسأقول لجسدي الملقى: آه ياللبشاعة.. آه ماهذا المسخ.. آه يا للقباحة ماهذا الكائن المفرط في وضوحه؟ ولن يعيقني أي شيء.. أي شيءٌ أبدًا عن إيذاء نفسي.
     أشعر ببرودة الجدار تلمس ظهري العاري فأخرج من خيالاتي لأرى انعكاسي الذي لم يتبدل على جهازي وأدركت أنه صعبٌ علي أن أنظر إلى نفسي بعين الرحمة في أيامي العادية, وقسوتي على نفسي تزداد في أيامي العصيبة التي كانت تأتيني محمّلةً بفخذين داميين. كيف يمكن لأي شخصٍ أن يشعر بالحب والرحمة إزاء نفسه والدم يسيل بتسارع مطرد من بين فخذيه إلى ربلة ساقيه النحيلة التي تبدو وكأنها قطعة خشبية؟ ربما لا يتعلق الأمر بأي شيءٍ آخر عدى كونه يومًا عصيبًا, أقول لنفسي.
أرتديت قميصي المنقط مرة أخرى وخرجت أمشي بسجني الكبير بفخذيّ الداميين اللذان بدوت بهما وكأنني منتصرة في معركة طروادة. ولكن لا أحد علم يومًا بتلك المعركة, لا أحد لاحظ قميصي المنقط المشقوق طرفه من يدي اليمنى, ولم يلحظ أحدًا الدم الذي كان يسيل مني.

تعليقات

المشاركات الشائعة