الشذرات المتبقيّة من المرة الأولى.


إنه يومٌ صيفي حار.. كالمعتاد, النافذة كبيرة من المكتبة العامة ولكنها متّسخة بالرغم من ذلك. اخبر النافذة لا بأس أنا بالعشرين من عمري وأعرف كيف يعمل العالم, أعلم أنه لا يجب على كلتينا أن تكون قذرة إلى هذا الحد. اخبرها عن قوة التضاد بين النظيف والمتّسخ. أقول: أعطيني منظرًا نظيفًا وأعطيك أنا شخصية متّسخة تقف امامك. لكن بالرغم من الإتّساخ المتبادل بيننا وفجوة الصمت المتمددة لم أرى عبرها إلا عصفور واحد في الشجرة ويداي التي عهدتها دومًا وهي مضمومة إلى صدري مثل عضوٍ مذعور, كانت فارغة كانت هذه مرتي الاولى التي أعي فيها فراغ يدي والثقوب التي بين أصبعي الأول والثاني.
إنه مكانٌ مزدحم.. حفلات نهاية الأسبوع التي تدعوك إلى الضجر. لا تغطي المساحيق التي أضعها عيوب وجهي أو تخدّشات روحي. كنت في السابعة عشرة من عمري عندما هرعت فجأة من بين الجموع وحبست نفسي في الحمام لأول مرة, بفستاني الزهري الكريه اللون الذي كنت أرتدي فوقه سترة سوداء من الكشمير, أخذت أدور داخل الحمام الصغير المتعرّق وانا أضع أصبعي في فمي مثل حيوان مذعور بينما دموعي تشق طريقها. شعرت بالدوار لوهلة فرفعت فستاني لأكشف عن فخذي حتى أجلس على أرضية الحمام دون أن يتّسخ هذا الفستان الكريه. أضحك. أحافظ على نظافة الأشياء من حولي بينما اتصيّر بذاتي أنا شيئًا متّسخًا. لا أذكر أنني سبق أن جلست بهذا الهدوء والسكون إلا على تلك الارضية القذرة في الحمام الصغير عندما كنت في السابعة عشرة.
إنها أيام طويلة بلا شيء جديد أفعله.. كنت في الثامنة عشرة عندما أسندت جبهتي أمام الحائط لأول مرة بينما كل شيء يذوب من الداخل. أتنقل من الحائط إلى المرآة المعلقة في غرفتي. أنظر إلى هذا الوجه, الفجوتان الواسعة التي أرى عبرها الأشياء المتجددة في قبحها, الأنف والشفاه والوجنتان, لاشيء منهم لي. لا أستطيع أن أشعر أنني أنتمي إلى نفسي, لا أستطيع الدفاع عن نفسي أو تقديم أدنى مساعدة لها. أقول لنفسي: تماسكي قليلًا أكثر, الجبناء هم من يرحلون, الشجعان هم من يواصلون هذا الطريق الوعر. أخبط جبهتي بيدي بشكل قاسٍ. أرجوكِ أستيقظي. أستيقظ يا أمي لأكتشف أن إستيقاظي ماهو إلا مرحلة إنتقالية بسيطة من كابوس الحلم إلى كابوس الواقع.
متمددة على سريري, أرتدي لباسًا أبيضًا خفيف لا أشبه فيه الملائكة في شيء.. ساقاي ويداي وجزء من بطني المفتوح يتشرب رحيق الشمس الساقط من نافذة غرفتي. أشعر بملامسة يداك للمرة الأولى, لا أرغب الحديث عن الامر لأنني عندما أفعل ذلك أبدو كطفلة تجهل الألفبائية. إحساس اليد الرقيقة التي تعبث بفراغات أصابعك وعظمة المعصم البارزة وتنتقل إلى أزرار قميصك الزهري. لا اخاف من هذه الأحاسيس التي تبدو وكأنها مصنوعة من الحرير. أعلم أنها لن تبقى طويلًا. هذه اليد وهذا الإحساس المفاجىء بالحذر لا شيء منهم يبقى لك. يتبددون مع أول خيوط من شمس المغيب لتبقى أنت واليد التي تصنعها باستمرار وتصقلها في مخيلتك خرافة لا تستمر. كانت مرتي الأولى التي أخبر نفسي فيها بأن مرتي الاولى ليست إلا وشمًا في الروح. مراتي الاولى التي لم تكن إلا مجرد كوابيس متكررة. مراتي الاولى التي أشك في حصولها دومًا. 

تعليقات

المشاركات الشائعة