مسحوقة كًبودرة كاكاو.


 تحت وطأة انعدام الثقة و جلد الذات. أنا الضحية و أنا الجلاّد, وأسواط العذاب التي أخلقها لنفسي تترك جروحًا مفتوحة فوق ظهري النحيل جدًا, حول رقبتي التي مازلت لا أظن انها طويلة بما فيه الكفاية.
أشعر أنني مهددة من قِبل نفسي, ليس لدي أي عدوٌ خارجي لأن عدوّي يأتي من داخلي. كم حاولت هزيمته, كم حاولت محاربته. لكنني أفشل.. في كل مرةً أفشل. كان الألم يمرّ عبري كل مرة, و كل مرةً كان يصيّرني هذا الألم شخصًا لا أعرفه. كان الألم يشوّهني. كان الالم يتباهى أمامي بغنجه  ثم يغرز أظافره الطويلة على بطني و يمررها ببطئ. لم أصرخ يومًا, لم أطلب من ألمي أن يرفع يديه عن بطني, لم أقصّ أظافره أبدًا. كنت أكتفي بالنظر إليه و هو يغرز أظافره أكثر فأكثر إلى الداخل, وأنا في هذا الوقت أغرف من طينة القلق بسؤالٍ واحد: ماذا لو أن أظافره تركت ندوبًا فوق بطني؟
لكن هذا السؤال لم يعد يقلقني بعد اليوم يا حبيبي. فقد تركت منذ مدّة اظافره ندوبًا و أثارًا و جروحًا مشوّهة و قذرة و متقيّحة, حتى أنني لن أدعك يومًا تقترب من هذه البطن التي أكرهها. إنها مشوّهةٌ أكثر مما تستطيع عيناك أن تحتمله.
النيران تأكل أحشائي من الداخل.. والمياه الباردة تُصَب فوق رأسي من الخارج, والنيران لا تتوقف يا حبيبي, لا أعلم لماذا؟
أهزّ شكوكي هزًا و أخضّها خضًّا لعلها تتحول بفعلي هذا يقينًا كامنًا يحركني في أيامي, لكن الشكوك لا تتوقف عن أكلي من الداخل يا حبيبي,  لا أعلم لماذا؟
لا أحد يعلم أنني مستيقظة, المنزل يغطّ في نوم عميق, اتأكد أن لا أحد هنا. لا أحد هنا. فأفتح الجرح ببطء, أنزع الشاش من فوقه ببطء و حنيّة.. انظر إلى اتّساع الجرح و رحابته, كم يبدو عميقًا, كم يعدّ لمسه بطرف أنملتي مؤلمًا وقاسيًا. كل مرة افتحه على امل أن أراه قد ألتئم ولو قليلًا. لكن في كل مرة كنت أكتشف أنه أخذ في الاتّساع.. كصبية ترغب بأن تأخذ حقّها في النمو. ينمو رغمًا عن إرادتك. أسحب ورقة وقلمًا أزرق جافًا, فيتجدد الجرح وينمو , ليسيل منه الدم أحمرًا ليلكيًا, فيصير الدم نصًا, فيصير النص ندبة. هل تراني يا فستُق, سأبدأ بالكتابة. 
أذوب, كزبدة فوق مقلاة, لا أستطيع ان أحافظ على جمودي وصلابتي, أذوب كما يذوب قلبي في خدره, أذوب كما تذوب عيناي عند رؤيتك, أذوب كأنك تنظر إلي بعينيك إلى وجهي الذي أكره. القصيدة الناقصة, كوب الشاي البارد الموضوع فوق الطاولة, وأنا على الكرسي أمام الورقة كدمية بشعر غير مسرح و وجه لم يُغسل بعد, أحدّق في الجدار الماثل امامي, يوجد عليه رف, على الرف الكثير من الكتب, داخل الكتب الكثير من الاشخاص الذين لا يرغبون بتركي وحيدة, كم أحبهم, كم يحبوني. إننا نكسر وحدتنا, اللغة و النص و الكلمة والكتاب و الورقة والقلم الأزرق الجاف وأنت يا فستق.
أمسح جسدي بقوة عنيفة, أدعو لكل الأفكار السيئة والمترسبة فوق سطح جلدي أن تزول. لكن جلدي يُجرَح.. يكبر الجرح بمرور الأيام ليصير ندبةً, والأفكار لا تزال عالقة ككائنات طفيلية فوق جلدي فتغبّش نقاوته.
انهار و انهار وفي كل مرةٍ أقول بأنها مرتي الأخيرة, إنه انهياري الأخير. لكن كل مرة كانت قدماي تأخذني أبعد وأعمق في هذا العذاب.. هناك يدٌ حنونة تقول لي: تعالي يا حلوة الحلوات, هنا ستصير الحياة جحيمًا, فهل ترغبين بالمبيت عندنا؟ هنا سنطعمك الأرق, فهل ترغبين بالأكل عندنا؟ و أنا يا حبيبي كما اعتدتني لا أستطيع الرفض. لم أرفض يومًا الدخول والآن أنا تائهة بالداخل أبحث عني, وكلًما حاولت الخروج تسحبني قدماي إلى أسفل في هذا العذاب.
شظايا.. سأخرج يومًا ما من هنا متشظيّة أو.. ربما سأخرج مسحوقة كًبودرة كاكاو مرّة.

و وقتها يا حبيبي لن ترغب حتى بإضافتي إلى حليبك مع بعض السكر.. لن ترغب, ولن أرغب أنا هذا لك يومًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة