بُورتريه لشخصية مشوّهة.



الفتاة التي في المرآة ليست أنا.
لا تعبر بالضرورة عني.
عندما انظر إليها أجدها تتحكم فيني أكثر مما أفعل انا, أعني عندما امر بمحاذاة المرآة وأجدها هناك محبوسة, مقيدة داخل هذا الإطار الرائع الذي أسميته وهمًا. أجد أنها ترغمني أن أنظر بمحاذاة الأرض أو ربما السماء أو أي طريق لا يصل إليها.
 كانت دائمًا تردد لي عندما تمر بيننا نظرات خاطفة: " مهما حصل لا تتمعني في هذا الوجه أكثر من اللازم."
هل كانت تحذرني من الغوص في روحي السحيقة؟ روحي التي شاخت وامتلئت بالثقوب. هذه الروح التي كان ينفذ وينسلّ منها كل شيء حاولت الحفاظ عليه داخلها. كأن فصل الخريف مربوط بلعنة روح شريرة داخل هذه النفس لذلك كل شيء كان يتساقط خارجها. أو ببساطة روحي التي تهرب مني دائمًا عبر الأيام كقطعة صابون في حوض الاستحمام كما تقول مارين.

كل يوم أستيقظ بشعور يشبه الشتاء عندما أنظر إلى وجهي في المرآة لأغسله فأضطر إلى أن أنظر إليه.. في هذه اللحظة كل يوم أكتشف وجهًا جديدًا لي. وبالرغم من تعدد أوجهي يوميًا امام مرآة الحمام الصغيرة كانت الفتاة التي أراها تردد لي نفس الكلام: " مهما حصل لا تتمعني في هذا الوجه أكثر من اللازم."
كنت أصدق دومًا أن تحت هذا الوجه الكثير من الأشياء التي تستحق أن تظهر للعلن.. لكنني الآن أصدق أن هذا الوجه يضغطني إلى الداخل فينحسر كل ما أردت إظهاره.
هذا الوضوح و الثبات الكامن لوجهي امام البشرية, المتحوّل بالسر بيني وبين الفتاة العالقة في المرآة.
هل هي أنا؟ -أعني الفتاة التي تسكن خلف المرآة ولا احبها كثيرًا- أم هل هي فتاة عاشت قبلي هنا بمئات السنين؟ ماذا عساها تقول حينما تراني على الضفة الأخرى من العالم؟ هل تراها تسأل نفسها كما أفعل نا؟ أم هل تراها تغيب كلما ابتعدت؟

اليوم تمرّدت على كل ماكان من شأنه أن يعيقني عن النظر مليًا إلى هذه الفتاة فالمرآة. لم أستطِع التفوه بكلمة, كلانا كان مشدوهًا بقوة الجذب التي حصلت رغمًا عن أنفنا. لم تكن فالنهاية هذه الفتاة إلا بورتريه لشخصية مشوّهة تعيش على ضفاف هذا العالم الفسيح. سرعتي في النظر إلى هذه الشخصية فالمرآة لم تجعلني أعي يومًا مدى تشوّهها.
اليوم فقط لأول مرة ردد هذا البورتريه القبيح كلامًا عذبًا لو لم أغسل نفسي منه لتسوّست من جرّاء التفكير فيه:
 "لم أرغب منك يومًا أن تعي هذه الحقيقة المشوّهة, لم أرغب بأن أخذلك, لا أريد أن أكون سببًا في أن أجعلك تمشين يومًا بإنحناءة بادية على ظهرك الطويل.. ظهري الذي أحب." ثم ربّتت على كتفي كما تفعل الأمهات في الصبا.
لكنني رددت من الضفة الاخرى للعالم: ربما لم تكوني السبب ياحبيبتي المشوّهة, لكن العالم حقًا تولّى هذه المهمة بدلًا عنك.
ثم أشحت بنظري عنها فغابت كما عهدتها دومًا.

تعليقات

المشاركات الشائعة